Deutsch | العربية | English
البحث
البحث Menu

اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية

اضطراب ما بعد الصدمة النفسية

الأسباب، الأعراض ومعايير التشخيص، سبل العلاج

 

برنامج علاج نفسي ـ مركز تأهيل ضحايا العنف برلين ألمانيا

تقتصر دلائل التشخيص العالمي للاضطرابات النفسية على ذكر الأعراض ومعايير التشخيص دون ذكر الأسباب التي أدت إلى هذه الأعراض. الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو اضطراب ما بعد الصدمة النفسية. حيث وبخلاف الاضطرابات السلوكية أو النفسية الأخرى التي وبالرغم من وجود عوامل مساعدة أو مسببات معروفة بشكل عام فإن السبب المباشر يكون غير معروف، اضطراب ما بعد الصدمة له مسبب واضح ومحدد أدى مباشرة إلى ظهور هذه الأعراض. هذا السبب هو وجود الصدمة النفسية وهو المعيار الأول والأساسي حسب الدليل الإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-4. الصدمة النفسية trauma هي تعريفا أن يكون الشخص قد عاش أو مر بحادث شكل خطرا على الحياة أو شعر فيها الشخص أن حياته مهددة مثل أحداث العنف، التهديد بالسلاح، الاغتصاب، التعذيب والحبس، الحروب، الكوارث الطبيعية، حوادث السير، الخ. أو أن يكون الشخص شاهدا على مثل هذه الأحدث. هذا بالإضافة إلى التحرشات الجنسية فهي من الممكن أن تؤدي إلى أعراض الصدمة حتى إذا لم يكن هناك خطر فعلي على الحياة خلال وقوع الحدث.

التعرض لمثل هذه الصدمات النفسية كضحية مباشرة أو كشاهد عليها يشكل ضاغطا نفسيا كبيرا يؤدي إلى إخلال التوازن النفسي في حياة الشخص بحيث تظهر مجموعة من الأعراض حتى يصبح الحدث الصادم والمواضيع المتعلقة به محور حياة الشخص إلى أن يصبح الشخص غير قادر على إتمام حياته على صعيد الأعمال والتواصل الاجتماعي والاهتمامات بشكل طبيعي. تتغير بعد التعرض للصدمة بنية التفكير والإدراك لدى الضحية حيث يصبح العالم مكان شريرا غير آمن، تنعدم أو تقل الثقة بالآخرين مع شعور كبير بالذنب وكره الذات ولومها على ما حصل. تنقسم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة النفسية إلى ثلاثة مجموعات حسب الدليل الإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-4:

أولاً: الاقتحام ويقصد بها إقحام الأفكار والمشاعر والذكريات المتعلقة بالحدث نفسها عنوة في وعي وتفكير الشخص. من معايير التشخيص التابعة لهذه المجموعة الكوابيس المزعجة عن الحدث الصادم، ذكريات وأفكار مزعجة متعلقة بالحدث الصادم، إعادة معايشة الحدث وكأنه يقع مرة أخرى (flashback) بالإضافة إلى الإنزعاج الشديد أو ظهور ردات فعل جسدية مثل التعرق، الارتجاف، الخفقان حين يقوم شيء أو شخص ما بالتذكير بالحدث الصادم.

ثانياً: أعراض التجنب وتبلد الاحساس ويقصد بها انشغال الشخص الدائم بتجنب كل ما يمكن أن يذكر بالحدث الصادم إلى جانب تضييق طيف الاحساسات والمشاعر (التبلد العاطفي) بحيث يصبح الشخص غير قادر على الاحساس بمشاعر جميلة وإيجابية مثل الدفء والمحبة والتواصل مع الآخرين أو الاحساس بالسعادة. من المعايير التابعة لهذه المجموعة تجنب الأفكار والذكريات والأشخاص والنشاطات والأماكن التي من شانها أن تذكر بالحدث الصادم، فقدان الشعور بالتواصل مع الآخرين، فقدان الرؤية المستقبلية، الانفصال عن الواقع، فقدان الاهتمامات والقدرة على الاستمتاع.

ثالثاً: الهيجان وهو حين يكون الجسد والتفكير في حالة هيجان دائم تؤدي إلى اضطرابات في النوم وعدم القدرة على التركيز أو ضعف التركيز. من المعايير ضمن هذه المجموعة بالإضافة إلى مشاكل النوم والتركيز هناك الشعور بالخوف والاحتراس والتيقظ الشديد والمبالغ فيه حتى عندما لا تكون هناك ضرورة لذلك وسرعة الشعور بالفزع أو الجفلان مثلا لدى سماع الأصوات العادية بشكل مفاجئ.

ترافق هذه الأعراض حالة من المشاعر السلبية وضيق الخلق. يكون الشخص سريع الغضب ويشعر أحيانا بفقدان السيطرة، ربما تكون هناك أيضا قساوة في التعامل مع النفس ومع الآخرين بالإضافة إلى فقدان الثقة بالآخرين. لا يستطيع الشخص أو يجد صعوبة في تخيل نفسه في المستقبل. العالم يصبح مكانا غير آمن وهناك شعور دائم بأن شيئا ما رهيبا قد يحدث الآن. يعتبر الشخص نفسه “غير عادي“ بسبب هذه الذكريات المتكررة دون إرادة ويتهم نفسه بالجبن والخوف بسبب ردات الفعل المرافقة لهذه الذكريات أو بسبب الرغبة في التجنب.

يجب الأخذ بالعلم أنه ليس بالضرورة أن تتوفر هذه الأعراض كلها، وليس بالضرورة أيضا أن يعاني شخصان من نفس الأعراض فباختلاف الحالة والأشخاص من الممكن أن تتوفر هذه الأعراض أو تلك. وجود هذه الأعراض في الثلاثة أشهر التي تلي الحدث مباشرة هو أمر متوقع بسبب شدة الصدمة وعلميا يتم الحديث عن اضطراب ما بعد الصدمة إذا مرت على الحدث ثلاثة أشهر والأعراض ما زالت موجودة. من هنا نستطيع أيضا أن نستنتج أن ليس كل من يتعرض إلى صدمة من هذا النوع يعاني بعدها من اضطراب ما بعد الصدمة النفسية. هناك عوامل مساعدة أو مهيئة لدى الشخص (النشأة البنية الجينية وعوامل الوراثة التعرض للصدمات في الماضي) أو تكون خاصة بطبيعة الحدث وردة الفعل التي رافقته.

العلاج المعرفي السلوكي لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة النفسية هو العلاج الذي يحقق أفضل النتائج كما تبين في العديد من الدراسات التجريبية والمقارنة مع عينات مختلفة من المعانين من هذا الاضطراب وفي العديد من المجتمعات. يقوم برنامج علاج نفسي ومركزه برلين ألمانيا بتطبيع صيغة العلاج الكتابي (عبر الانترنت) لهذا العلاج لأول مرة باللغة العربية. المرحلة الأهم في العلاج المعرفي السلوكي للصدمة النفسي هي مرحلة المواجهة. يقوم فيها المتعالج بإشراف المعالج المختص وبعد التحضير المناسب بمواجهة وإعادة معايشة الحدث الصادم بأدق تفاصيله مرة أخرى من خلال استحضار هذه الأحداث في الذاكرة والكتابة عنها. علاج المواجهة هذا أثبت فاعليته في العديد من الدراسات بشكل يفوق العلاج الدوائي بشكل كبير. الهدف من المواجهة هو كسر الحلقة المفرغة أو الدائرة الخبيثة من سلوك التذكر ما يؤدي إلى التجنب والذي بدوره يقوي هذه الذكريات بسبب شعور الراحة المؤقت الذي يترتب على سلوك التجنب. هذا هو جانب واحد فقط من آلية العلاج في هذه الخطوة وهو لا يقتصر على ذلك. خلال المواجهة الواعية والمتقصدة للحدث يعيد الشخص ترتيب الأحداث ويعي دوره بشكل واقعي أكثر ويصبح واعيا مثلا لحقائق هامة كان قد غفل عنها. يتضمن العلاج المعرفي السلوكي إلى جانب المواجهة خطوة أخرى تسمى “إعادة هيكلة الإدراك“ في هذه المرحلة حسب إرشادات معينة تساعد المتعالج على تغيير زاوية الرؤية للحدث وتحليله وتحليل نتائجه من وجهة نظر المراقب. هذه الخطوة تساعد على تغيير الإدراكات والقناعات الثابتة والسلبية في الغالب التي تطورت بعد الحدث بالإضافة إلى تعزيز الثقة بالنفس وتقبلها واكتساب النظرة الإيجابية تجاه الحياة والآخرين والمستقبل.

من المعروف بخصوص هذا الاضطراب وبسبب طبيعته أنه يكون لدى المعنيين حاجز معنوي يمنعهم من التحدث عن الصدمة. وكما رأينا أعلاه يعتبر التجنب والمحاولات الدائمة لعدم التذكر عرضا أساسيا من أعراض هذا الاضطراب. لذلك ليس من السهل في العادة على المعانين من هكذا صدمة مفاتحة مختص نفسي أو طبيب أو حتى صديق بالحالة النفسية جراء الحدث الصادم. وبالتأكيد يكون هذا الحاجز أقوى بكثير حين يكون الأمر متعلقا بمسائل حساسة مثل الاغتصاب أو التعرض للتحرش الجنسي. هذه رسالة من أخصائيين نفسيين إلى كل من تعرض إلى صدمة نفسية من أي نوع. لا تخجل/ي ولا تشعر/ي بالذنب لما حصل لك، شعورك بالخوف لا يعني أنك مريض/ة أو غير طبيعي/ة. هو أمر عادي ومتوقع أن تظهر لديك هذه الأعراض بعد التعرض لمثل هذا الحدث الصادم. التحدث عن الصدمة وطلب العلاج هو الطريق الصحيح لتخرج/ي نفسك من هذا الحطام، ليس عليك أن تعيش/ي أو تقاوم/ي كل هذا لوحدك.

يمكنك التسجيل من خلال الضغط على الرابط هنا

في انتظارك

2 التعليقات Write a comment

أترك تعلي

Required fields are marked *.


WordPress Video Lightbox Plugin