مع اقتراب فصل الشتاء وتقلّص ساعات النهار، يعاني بعض الأشخاص من انخفاض واضح في المزاج والطاقة يُعرف بإسم الاكتئاب الشتوي أو الاضطراب العاطفي الموسمي (Seasonal Affective Disorder – SAD). يُعد هذا الاضطراب أحد أشكال الاكتئاب المرتبطة بالتغيرات الموسمية، ويظهر غالبًا في أواخر الخريف ويستمر حتى بداية الربيع.
الأسباب والآليات البيولوجية
يرتبط الاكتئاب الموسمي ارتباطًا وثيقًا بنقص التعرض للضوء الطبيعي خلال فترات الشتاء، مما يؤدي إلى اضطراب في الساعة البيولوجية للجسم (الإيقاع اليومي) التي تنظم النوم والمزاج والطاقة. كما أن قلة الضوء قد تؤدي إلى انخفاض مستويات السيروتونين (المرتبطة بالشعور بالسعادة) وزيادة إفراز الميلاتونين (المرتبط بالنوم)، ما يسبب الشعور بالخمول والحزن.
عوامل أخرى مثل الاستعداد الوراثي، نقص فيتامين D، واختلاف استجابة الدماغ للضوء قد تلعب دورًا في تطور الحالة. وتشير الأبحاث إلى أن النساء والشباب أكثر عرضة للإصابة مقارنة بالرجال وكبار السن.
الأعراض الشائعة
تشمل أعراض الاكتئاب الموسمي:
· انخفاض المزاج والشعور المستمر بالحزن
· نقص الطاقة وصعوبة التركيز.
· زيادة ساعات النوم أو صعوبة الاستيقاظ.
· الإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والسكريات
· فقدان الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية والهوايات.
غالبًا ما تختفي هذه الأعراض تدريجيًا مع زيادة ضوء النهار في الربيع.
الفرق بين الاكتئاب الموسمي والاكتئاب التقليدي
رغم التشابه الكبير بين الاكتئاب الموسمي والاكتئاب التقليدي، إلا أن هناك فروقًا مهمة بينهما. يُعتبر الاكتئاب الموسمي اضطرابًا دوريًّا ومؤقتًا يرتبط بتغيّر الفصول، بينما الاكتئاب التقليدي قد يستمر على مدار العام دون ارتباط بعوامل بيئية واضحة.
من الناحية البيولوجية، يتأثر الاكتئاب الموسمي أساسًا بتقلّب الضوء الطبيعي واضطراب الناقلات العصبية مثل السيروتونين والميلاتونين، في حين أن الاكتئاب التقليدي يرتبط بعوامل أكثر تنوعًا تشمل الوراثة، والضغوط النفسية المزمنة، والخلل الكيميائي في الدماغ. سلوكيًا، يُلاحظ أن مرضى الاكتئاب الموسمي يعانون غالبًا من النوم المفرط وزيادة الشهية، بينما يظهر في الاكتئاب التقليدي الأرق وفقدان الشهية. ومع ذلك، قد يتداخل النوعان، مما يجعل التشخيص الدقيق من قبل مختصين أمرًا ضروريًا لتحديد خطة العلاج المناسبة.
العلاج والوقاية
يُعد العلاج بالضوء (Light Therapy) من أكثر العلاجات فعالية، حيث يتعرض المريض يوميًا لضوء صناعي يحاكي أشعة الشمس لمدة تتراوح بين 20 و40 دقيقة. هذا يساعد على إعادة ضبط الساعة البيولوجية وتحسين المزاج.
كما يُنصح بـ:
· قضاء وقت أطول في الهواء الطلق أثناء النهار.
· ممارسة النشاط البدني المنتظم لتحفيز إفراز الإندورفين.
· وفي بعض الحالات، يمكن للطبيب وصف أدوية مضادة للاكتئاب لفترات محدودة.
خلاصة
الاكتئاب الشتوي ليس مجرد “مزاج شتوي سيئ”، بل اضطراب نفسي حقيقي يتأثر بعوامل بيولوجية وبيئية معقدة. إلا أن التوعية، والتشخيص المبكر، والعلاج السليم يمكن أن يخففوا من حدته ويحافظوا على التوازن النفسي طوال العام.
في برنامج علاج نفسي علاج نفسي نُقدّم جلسات علاجية متخصّصة للمساعدة على التعامل مع الاكتئاب الموسمي وكما الاكتئاب التقليدي.
المراجع:
1. American Psychiatric Association. DSM-5: Seasonal Affective Disorder.
2. National Institute of Mental Health (NIMH): Seasonal Affective Disorder.
3. Rosenthal N.E. et al., Seasonal Affective Disorder: A Review of the Syndrome and Its Treatments, Journal of Affective Disorders, 2020.